الجزء الثالث: دور القاضي الجبائي في مراقبة أسس

التوظيف الإجباري

 

 

 

تنص أحكام الفصل 67 من مجلة الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين والضريبة على الشركات على أنه "لا يمكن للمطالب بالضريبة الخاضع لتوظيف إجباري عملا بأحكام الفصل 66 من هذه المجلة الحصول على الإعفاء أو التخفيض من الضريبة الموظفة عليه إلا إذا أقام الدليل على موارده الحقيقية أو على الشطط فيما وظف عليه" ولقد كرس الفصل 65 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية نفس المبدأ حيث نص على أنه "لا يمكن للمطالب الأداء الذي صدر في شأنه قرار توظيف إجباري للأداء الحصول على الإعفاء أو التخفيض من الأداء الموظف عليه إلا إذا أقام الدليل على صحة تصاريحه وموارده الحقيقية أو على شطط الأداء الموظف عليه".

ونستنتج من أحكام الفصلين المشار إليهما أن المشرع قد أوقف إمكانية الإعفاء أو التخفيظ من الأداءات المستوجبة بمقتضى قرار التوظيف الإجباري على شرط قيام المطالب بالأداء بإثبات الشطط فيما وظف عليه أو إقامة الدليل على صحة تصاريحه وموارده الحقيقية.

ولا يعتبر هذا الشرط خرقا للمبدأ العام المعمول به في مادة الإثبات والذي ينص على أن البينة على من إدعى بل يعتبر قلبا لعبئ الإثبات ذلك أن الإدارة ملزمة بتعليل قرار التوظيف الإجباري وبالتالي إثبات سلامة أسس التوظيف الإجباري.

وتجدر الإشارة إلى أن الفصل 50 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية قد حمل الإدارة واجب تعليل قرار التوظيف الإجباري.

كما أن الإدارة قد دأبت حتى قبل صدور مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية على اعتماد هذا التمشي ضمن تقرير التوظيف الإجباري وذلك تطبيقا للمبدأ القائل بأن قرار التوظيف الإجباري هو بمثابة الحكم القضائي الذي يجب أن يكون معللا كما تقتضي ذلك أحكام الفصل 123 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية.

وبناء على ما تقدم فإنه يتعين على المطالب بالأداء الذي صدر في شأنه قرار في التوظيف الإجباري للأداء إقامة الدليل على صحة تصاريحه. ومن هناك على مصداقية المحاسبة المعتمدة لتحديد أسس الأداء أو الوثائق التي تقوم مهامها إذا لم يكن المطالب بالأداء خاضعا وجوبا لمسك المحاسبة أو إثبات موارده الحقيقية أو إقامة الدليل على شطط الأداء الموظف عليه.

ولعله من المفيد في هذا السياق التذكير بأن النزاع حول أسس الأداء غالبا ما يتمحور حول النقاط التالية :

-                     تحديد قاعدة الأداء،

-                     تحديد النسبة المنطبقة،

-                     تحديد حدث الإنشاء.

 

ولئن كانت مسألتا تحديد حدث الإنشاء بالنسبة للأداءات والمعاليم المستوجبة وتحديد نسب هذه الأداءات لا تطرح إشكاليات عسيرة على القاضي الجبائي ذلك أن مراقبتها يمكن أن تتم إنطلاقا من قراءة متبصرة للنصوص القانونية التي تنطبق عليها. وهي مهمة ستصبح أكثر يسرا عند دخول مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية حيز التنفيذ خصوصا وأن هذه المجلة قد أوجبت بمقتضى الفصل 50 منها على مصالح الجباية تعليل قرار التوظيف الإجباري وأن يتضمن هذا القرار خاصة طريقة توظيف الأداء والأسس القانونية التي انبنى عليها.

ورغم ذلك فإن مسألة قاعدة الأداء ستبقى المسألة الأكثر إثارة للجدل والتنازع بين الإدارة والمطالب بالأداء.

وهنا تبرز المسؤولية الملقاة على القاضي الجبائي عند تعاطيه مع مسألة أسس التوظيف المعتمدة ضمن قرار التوظيف الإجباري خاصة قاضي الأصل والموضوع (اللجنة الخاصة بالتوظيف الإجباري حاليا والمحكمة الإبتدائية ومحكمة الإستئناف مستقبلا) ذلك أن المحكمة الإدارية لا تنظر مبدئيا في الوقائع بل تراقب مدى احترام القانون.

ويختلف دور القاضي الجبائي في هذا المجال حسب وضعية المطالب بالأداء إزاء إحترام واجب مسك المحاسبة وتقديمها لأعوان الجباية.

العنوان الأول : مراقبة أسس التوظيف المعتمدة على المحاسبة

إذا كانت أسس التوظيف الإجباري قد تم تحديدها انطلاقا من المحاسبة فإن النزاع بين الإدارة والمطالب بالأداء حول أسس الأداء ينحصر عادة حول مشروعية التعديلات التي أدخلتها الإدارة على الربح المحاسبي لتحديد الربح الجبائي بالنسبة للأداءات المباشرة وحول قاعدة الأداء بالنسبة للأداء على القيمة المضافة.

فالنسبة للتعديلات التي يتم إدخالها على الربح المحاسبي فإن مرجعية الإدارة هي الفصول القانونية الواردة بمجلة الضريبة والمتعلقة بكيفية تحديد الربح الجبائي انطلاقا من الربح المحاسبي وهي أساسا الفصول من 10 إلى 15 من المجلة المشار إليها بالنسبة للأشخاص الطبيعيين تضاف إليها الفصول 47 و48 و49 من نفس المجلة بالنسبة للأشخاص المعنويين. وهنا يمكن للقاضي الجبائي التأكد من خلال مقاربة أسس التوظيف مع دفوعات المطالب بالأداء وبالرجوع إلى الأحكام القانونية المشار إليها من سلامة أسس التوظيف المعتمدة ضمن قرار التوظيف الإجباري.

أما بالنسبة للأداء على القيمة المضافة فإن المسائل المتعلقة بقاعدة هذا الأداء والأكثر إثارة للجدل تقترن عادة بتحديد حدث الإنشاء وبكيفية احتساب رقم المعاملات الخاضع للأداء على القيمة المضافة والأداء على القيمة المضافة القابل للطرح. وهي مسائل يمكن في اعتقادنا التثبت منها بقراءة متبصرة لأحكام الفصول 5 و6 و9 من مجلة الأداء على القيمة المضافة وبقراءة واعية لأسس التوظيف المعتمدة من قبل الإدارة واعتراض المطالب بالأداء عليها.

 

العنوان الثاني : مراقبة الأسس التقديرية لتوظيف الأداء

لا جدال في أن الإدارة يمكنها توظيف الأداء وجوبا بالإعتماد على القرائن القانونية والفعلية في صورة عدم إيداع التصاريح الجبائية المستوجبة أو في صورة عدم مسك المحاسبة المستوجبة طبقا للتشريع المحاسبي الجاري به العمل.

وقد استقر فقه قضاء المحكمة الإدارية في هذا السياق على أن الإدارة يمكنها توظيف الأداء وجوبا بالإعتماد على القرائن الفعلية أو القانونية في صورة عدم مسك محاسبة مطابقة للتشريع المحاسبي الجاري به العمل ومن ذلك قرار المحكمة الإدارية الصادر بتاريخ 14 نوفمبر 1991[1] والقاضي بتأييد قرار اللجنة الخاصة بالتوظيف الإجباري القاضي بتأييد قرار التوظيف الإجباري الصادر عن وزير المالية والذي تم بمقتضاه توظيف الضريبة وجوبا بالإعتماد على القرائن القانونية أو الفعلية بالإستناد على أن المطالب بالأداء لم يقدم دفتر الجرد وكذلك بسبب عدم تسجيل المقابيض بصفة مفصلة مما نتج عنه نقص في رقم المعاملات المصرح به.

كما أن القرار الصادر عن المحكمة الإدارية بتاريخ 18 فيفري 1982[2] قد أقر بأن مسك محاسبة قانونية يستوجب مسك دفتر الجرد.

وفي المقابل فإن فقه المحكمة الإدارية قد استقر على أنه في صورة مسك محاسبة مطابقة للتشريع المحاسبي الجاري به العمل فإن الإدارة غير مؤهلة لإستبعادها واستبدالها بقرائن خيالية مما يجعل قرار التوظيف الإجباري غير قانوني.[3]

ولا يجب أن نفهم مما سلف ذكره أن المحاسبة المطابقة للتشريع المحاسبي من حيث الشكل هي بالضرورة محاسبة تتمتع بالمصداقية المخولة لإعتمادها لتحديد أسس الأداء.

كما أنه ولأجل إقرار صلاحية التثبت من مصداقية المحاسبة لمصالح المراقبة الجائية فإن المشرع قد نص ضمن الفصل 38 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية   على أن المراجعة المعمقة للوضعية الجبائية "تستند إلى المحاسبة بالنسبة للمطالب بالأداء الملزم بمسكها وإلى المعلومات والوثائق والقرائن الفعلية والقانونية في كل الحالات".

كما أن قرار المحكمة الإدارية الصادر بتاريخ 10 ماي 1993[4] قد أقر ضمنيا إمكانية إستبعاد المحاسبة المطابقة للتشريع المحاسبي الجاري به العمل في صورة ثبوت تضمنها لإخلالات جوهرية. إلا أنه حمل الإدارة عبئ إثبات ما إذا كانت المحاسبة تحتوي على إخلالات جوهرية تمس من مصداقيتها.

 

 

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنه لغاية التأكد من مصداقية المحاسبة خاصة في صورة استمرار الجدل بين الإدارة والمطالب بالأداء حول هذه المسألة فإنه وتطبيقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 69 من مجلة الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين والضريبة على الشركات يمكن للقاضي الجبائي أن يأذن لأعوان المراقبة الجبائية دون سواهم القيام بالتحقيقات التي تأمر بها اللجنة الخاصة بالتوظيف الإجباري. ذلك أن تكليف اللجنة لخبير في الحسابات للإطلاع على دفاتر الشركة وتفحصها ثم تبنيها للنتيجة التي توصل إليها ذلك الخبير يجعل قرارها مشوبا بعين خرق القانون ويعرضه للنقض[5].

وفي هذا الإطار يتعين على القاضي الجبائي عدم الاكتفاء بملحوظات الإدارة فيما يتعلق بمصداقية المحاسبة وإنما مقارنتها مع دفوعات المطالب بالأداء ذلك أن المحكمة الإدارية ترى أن قرار اللجنة الخاصة بالتوظيف الإجباري قابل للطعن في صورة تجاهل اللجنة لدفاعات المطالب بالأداء [6].

وتجدر الإشارة إلى أنه بدخول مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية حيز التنفيذ ابتداء من غرة جانفي 2002 فإن الإلتجاء للإختبار يصبح وجوبيا بالنسبة للقاضي الجبائي إذا تعلق الأمر بتقدير القيمة التجارية للعقارات والحقوق العقارية والأصول التجارية بالنسبة إلى النزاعات المتعلقة بمعاليم التسجيل أو بالضريبة على الدخل بعنوان القيمة الزائدة العقارية.[7]

كما أنه و"في صورة إدخال تعديلات تستوجب إعادة احتساب المبالغ الموظفة       أو القابلة للإسترجاع يمكن للمحكمة الإستعانة بمصالح الجباية لإعادة عملية الإحتساب    أو تعيين خبير لهذا الغرض بناء على طلب من المطالب بالأداء"[8].

ولكن المشكلة الأساسية تبقى في البديل الذي يتم اعتماده من طرف مصالح الجباية في غياب المحاسبة لتعديل الوضعية الجبائية للمطالب بالأداء ذلك أن فقه المحكمة الإدارية قد استقر في عديد المناسبات على أن القرائن التي تعتمدها الإدارة يجب أن تكون مرتكزة على أسس قانونية متينة ولا مجال في ذلك للحدس والتخمين. وهو ما يعتبر مطابقا لأحكام الفصل 486 من مجلة الالتزام والعقود والذي ينص على أن "القرائن التي لم يحصرها القانون موكولة لاجتهاد المجلس وعليه أن لا يعتمدها إلا إذا كانت قوية ومنضبطة ومتعددة ومتظافرة ودفعها جائز قانونا بسائر وجوه المرافعة".

 

 

وفي اعتقادنا أنه بدخول مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية حيز التنفيذ فإن مصالح الجباية يمكنها بالإعتماد على حق الإطلاع المنصوص عليه بالفصول 16 إلى 18 من المجلة المذكورة وعلى المجهودات المبذولة حاليا لتعصير آليات المراقبة الجبائية الحصول هامش هام من القرائن والحجج الثابتة التي يمكن اعتمادها سواء للتثبت من مراقبة مصداقية المحاسبة أو التصاريح الجبائية للمطالبين بالأداء أو لتعديل أسس الأداء المستوجب.

وبذلك تصبح مسألة مراقبة القرائن المعتمدة لتوظيف الأداء أكثر يسرا مما هي الآن.


 


[1] القضية التعقبية عدد 933.

[2]  القضية العقيبية عدد 148.

[3] القضية التعقبية عدد 1536.

[4] القضية التعقبية عدد 1055.

[5] القضية التعقبية عدد 854 بتاريخ 1989.

[6] القضية التعقبية عدد 1350 بتاريخ 13 مارس 1995.

[7] الفصل 62 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية.

[8] الفصل 66 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية.